كلّ عمل فنّيّ، سواء كان قطعة موسيقيّة أو لوحة زيتيّة أو فيلمًا سينمائيًّا له قوانين للتأليف خاصّة به. وكذلك الحال مع التأليف الأدبيّ. وعندما نستطيع أن نحدّد هذه القوانين سيساعدنا ذلك كثيرا في التفسير وفي تحديد الشكل التركيبيّ للقطعة الأدبيّة؛ من هذه القوانين نذكر:
1. المقارنة: وهي تجميع الأمور المتشابهة أو المتماثلة ويمكن تحديدها بكلماتٍ مثل: مثل، كـ، أيضا، كذلك... على سبيل المثال، مقارنة كهنوت رئيس الكهنة اللاوي (هارون) وكهنوت يسوع الذي كان على رتبة كهنوت ملكي صادق (عبرانيّين 5: 1-6).
2. التباين: وهو تجميع الأمور المتباينة والمتناقضة أو الأمور غير المتشابهة والمختلفة. يُستخدَم مصطلحَان مفتاحيَّان في هذا القانون بشكلٍ متكرّر وهما "لكن وبل". مثلًا التباين بين "أعمال الجسد" و"ثمر الروح" (غلاطية 5: 11-32).
3. التكرار: عندما يكرّر المؤلّف نفس المصطلحات والعبارات والأفكار، والسبب أنّه يريد أن يؤكّد على فكرةّ ما... مثلًا: في عبرانيّين 11، تكرّر كلمة "إيمان 33 مرّة. وفي سفر اللاويّين نقرأ كلمة "قدّوس ومقدّس" 58 مرّة، وكلمة "قدس" 144 مرّة.
4. الاستمراريّة: هذا المصطلح يُعطى عندما يكرّر الكاتب مصطلحات وعبارات وأفكار متشابهة ثمّ نجد بعض التقدّم والتطوّر في حديثه. مثلًا: في لوقا 15، يروي يسوع ثلاثة أمثال متشابهة لكن ليس بشكلٍ كامل، جميعها حول شيءٍ مفقود، الخروف والدرهم والابن الضالّ ويصل الحديث إلى ذروته عندما يصل إلى الأب الذي يتكلم مع الأخ الأكبر.
5. نقطة الذروة: مع هذا القانون، ينظّم الكاتب مادّته بطريقةٍ نجد فيها تطوّرًا من الأقلّ إلى الأعظم بشكلٍ تصاعديّ تجاه نقطةٍ عالية. مثلًا: في مرقس 4: 35 – 5: 43، نقرأ أربع معجزات متتابعة قام بها يسوع وتصل إلى ذروتها عندما أقام يسوع فتاةً صغيرةً من الموت. ويُختَتم سفر الخروج بمجد الربّ يملأ ُ خيمة الاجتماع التي تمّ الانتهاء من بنائها!
6. الحسميّة أو المحوريّة أو نقطة التحوّل: يشير إلى وجود تغييرٍ مفاجئ في اتّجاه أو مسار أو تركيز محتوى النصّ. مثلًا: يُستَخدَم هذا القانون بشكلٍ مؤثّر في مرقس 5: 23-32 مع اعتراف بطرس وإعلانه أنّ يسوع هو المسيح. قبل هذا الإعلان كان التركيز في الإنجيل على معجزات يسوع، لكن بعد هذا الاعتراف نجد تحوّلًا كبيرًا يتجلّى بتقديم يسوع تعليمًا لتلاميذه عن معنى من يكون المسيح.
7. التبادل: يظهر عندما يبدّل الكاتب الحديث بين موضوعٍ وآخر. يتكلّم عن الموضوع (أ) ثمّ الموضوع (ب) ثمّ يعود للموضوع (أ) ثمّ إلى الموضوع (ب). ويُستخدَم التبادل للتأكيد على تباين وتناقض معيّن أو لعقد مقارنة ما. مثلا: في الفصول الأولى من إنجيله، يستخدم لوقا هذا القانون كالآتي:
- أ- الإعلان عن ميلاد يوحنّا المعمدان
- ب- الإعلان عن ميلاد يسوع المسيح
- أ- ميلاد يوحنّا المعمدان
- ب- ميلاد يسوع المسيح
8. الاستجواب: في هذا القانون يطرح الكاتب سؤالًا بلاغيًّا ثمّ يقوم بالإجابة عنه. مثلًا: في سفر ملاخي 1: 2، نجد أنّ الله يقول شيئًا والناس تردّ بسؤال: "أحببتكم قال الربّ، وقلتم: بم أحببتنا؟" وفي ملاخي 1: 6: "الكهنة المحتقرون اسمي. وتقولون: بمَ احتقرنا اسمك؟" ونجد هذا النمط يتكرّر عبر السفر.
9. المبدئيّة أو النسبيّة أو التأكيد أو زيادة التأكيد: وهو مقدار المساحة التي يعطيها الكاتب ويخصّصها لموضوعٍ ما. وفي النفي الصارم يكون هذا إشارة إلى غياب شيءٍ كنتَ تتوقّع أن تراه مدرجًا. مثلًا: في سفر ملوك الأوّل والثاني نجد تركيزًا واضحًا على المملكة الشماليّة (إسرائيل)، بينما في أخبار الأيّام الأوّل والثاني نجد أنّه بالكاد يذكر المملكة الشماليّة، بينما يهتمّ اهتمامًا كبيرًا بالمملكة الجنوبيّة (يهوذا). عندما نكون قادرين على تحديد هذا الأمر سيكون مفيدًا في استكشاف فحوى رسالة السفر.

