لا توجد الكنوز على الأسطح وفي الأماكن المكشوفة، بل مخبّأةً ومدفونةً تحت الأرض دائمًا. وهكذا الكتاب المقدّس، فإن كنت ترغب في القليل والبسيط السطحيّ فلا داعي لبذل الجهد والوقت لأنّك ستصل إليه بسهولة. أمّا إن كنت تريد أن تصل إلى الكنوز الحقيقيّة في الكلمة المقدّسة فسبيلك الوحيد هو بذل كلّ جهدٍ ووقتٍ وتدقيق، إذ إنّ كلّ شيءٍ ثمينٍ في الحياة يحتاج إلى وقتٍ وجهدٍ وتركيزٍ وإصرارٍ ومثابرة. إذًا، كلمة الحياة لا توجد على السطح بل عليك أن تتعب وتبحث عنها كمن يبحث عن الذهب في قاع المنجم أو عن الأحجار الكريمة في العمق أو عن اللآلئ في قاع المحيط.
للبدء بعمليّة الحفر هاكَ العدّة الملائمة:
(إذ هل يصلح أن يبنى نجّارٌ منزلاً دون أن يعرف المنشار أو المطرقة أو الأدوات المساعدة؟)
- ليس تصفّح الكتاب المقدّس بأسلوب قراءة المجلاّت هو الأسلوب المناسب لدراسته، بل يحتاج الأمر إلى تأمّلٍ هادئٍ فيه وتفكّر بالقلب في معانيه. هذا ما نراه بصورةٍ رمزيّةٍ في شريعة البهائم الطاهرة (لاويّين 11) التي كان يشترط أن تجترّ طعامها؛ فما تأكله بسرعة تعيد مضغه مرّةً ثانيةً للاستفادة الكاملة منه.
- ادرس الكلمة يوميًّا (أمثال 8: 34): يمتدح القدّيس لوقا أهل بيريّة لأنّهم كانوا يدرسون الكتب كلّ يوم، وكانوا يدرسونها بنشاط (أعمال 17: 10-11).
- حاول أن تكون دراستك للكتاب المقدّس منظّمة ومنتظمة. فالدراسة العشوائيّة لا تؤتي بأغلب الأحيان بالثمار المطلوبة، لذا لا نستخدم نظام الكافيتيريا والـوجبات السريعة (fast food)...
- ادرس الكلمة بروح الصلاة: فقد قال يومًا القدّيس أغسطينـوس "لمّا كنت شابًّا سعيت إلى فهم معنى الأسفار المقدّسة بقوّة الإدراك العقليّ وليس بالتوسّل الخاشع لله... فأغلقت أمام نفسي بتشامخي وكبريائي الباب الموصل إلى الله، وبذلك فبدلًا من أن أقرع فيُفتح لي، صار سعيي هذا سببًا في أن يغلق الباب أمامي". (وغالبًا ما تُذكَر الصلاة في الكتاب المقدّس ملازمة لقراءة الكلمة أو سماعها (انظر لوقا10: 39، أفسس 6: 17-18، عبرانيّين 4: 16،... إلخ)؛ فهما كجناحي الطائـر، ولن يمكنك أن تحلّق في أجواء الشركة مع الله بدونهما معًا. الذي يدرس كثيرًا الكلمة بدون صلاة سيكون عُرضةً للكبرياء ولبرودة القلب، فتصبح الحياة مثل "خبز ملّة لم يُقلَب" (هوشع 7: 8). ربّما يكون قادرًا على تفسير عباراته، لكن ينقصه إدراك الأفكار والمشاعر المباركة التي تنبعث منها. وليس مهمًّا بأيّهما تبدأ؛ هل تصلّي ثمّ تقرأ أم تقرأ ثمّ تصلّي، وإن كان الأفضل أن تقرأ الكتاب في روح الصلاة، وأن تصلّي بروح المكتوب)
- اعرف كيف تسأل النوعيّة الصحيحة من الأسئلة.
- دوّن ما لاحظته واكتشفته إذ قيل إنّه "تُحلّ عقدة الأفكار بمجرّد أن تمرّ عبر الشفاه ثمّ الأنامل".
- حاول أن تدرس الكتاب المقدّس بدون انطباعات مسبّقة أي كعمل مخبرٍ سرّيّ. مثلاً: لطالما شرحنا: "أنت الصخرة، وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها" (متّى 16: 18) على أنّ الجحيم بحالة هجوم والكنيسة تدافع، بينما الواضح أنّ الأبواب هي الثابتة في مكانها والكنيسة هي الهاجمة وهذه الأبواب لن تقوى أمام قوّة الكنيسة.
- درّب قلبك بتمارين الكلمة: فدراسة الكتاب ليست مجالًا لعمل الذهن فقط، بل بالأولى تدريب القلب «أمِل قلبي إلى شهاداتك لا إلى المكسب» (مزمور 119: 36)، وهذا يتطلّب أمرين على الأقـلّ: أوّلهما أن أطبّق ما أتعلّمه على نفسي "كونوا عاملين بالكلمة لا سامعين فقط خادعين نفوسكم" (يعقوب 1: 22). والأمر الثاني هو أن أبحث عن المسيح في كلّ جزءٍ؛ فكما قيل: "لا توجد كلمة في كلّ الكتاب المقدّس لا تحمل غذاءً إلى نفوسنا، فادرس الكتاب المقدّس بالصلاة، وابحث فيه عن الربّ لا عن العِلم، ولا بدّ أنّك ستجد العلم أيضًا، إنّما اجعل غرضك الربّ".
- حضّر الأدوات الأساسيّة بعناية:
- خصّص وقتًا معيّنًا ومناسبًا للدراسة.
- احتفظ بدفترٍ للكتابة.
- جهّز الوسائل المساعِدة المطلوبة.
- اصرف وقتًا في الصلاة قبل أيّ دراسة.
10. قم بالاختيار الصحيح للمراجع المساعِدة لدراسةٍ أعمق: مثل الكتاب المقدّس، ترجمات مختلفة، فهارس، قاموس الكتاب، موسوعات، كتب تفسيريّة، مجموعة دراسات الأصل للكلمات… إلخ.
11. "أبـتـهـج بـكـلام الربّ كمن وجـد غـنـيـمـةً وافـرة" (مزمور 119: 162).

