وصف التقنيّة + الأمثلة التطبيقيّة:
مراحل القراءة الربّانيّة:
1- القراءة (lectio): أي قراءة النصّ المقدّس قراءةً متأنّية عدّة مرّاتٍ لتحديد العناصر الأساسيّة فيه، مع التركيز على الفعل، الفاعل، المكان، الزمان، المشاعر، الأحداث، نوعيّة الحركة… (يستحسن استخدام القلم).
كلّ مرّةٍ تعاد القراءة يتَمّ اكتشاف أمور جديدة وتذكّر بنصوص مقدّسة مشابهة أو منسجمة مع هذا النصّ، ومقارنة النصوص تزيد الغنى وتوضّح الرؤية وتزيد الفهم. فنلاحظ أنّ النصّ لم يُكتَب صدفة بل هو ثمرة تأمّل شعب.
2- التفكير (meditatio): بعد القراءة يأتي التوقّف والتفكير لإبراز القيم المختبئة في النصّ. التفكير يكون بواسطة العقل والقلب معًا. في هذه المرحلة يبدأ التفكير في المشاعر، في الأفعال والمواقف. نأخذ بعين الاعتبار مثلاً:
- مواقف الله من الإنسان: رحمة، أمانة، عدالة...
- ومواقف الإنسان من الله: ندامة، تسبيح، عرفان جميل... (مواقف إيجابيّة). خداع، سقوط، خوف... (مواقف سلبيّة).
حينئذٍ، تصبح القيم التي اكتشفتَها في النصّ مصدر مقارنة مع حياتك الشخصيّة وتصرّفاتك، فتسأل نفسك: ماذا تقول لي هذه القيمة؟ كيف أعيشها؟ ما هي الحواجز؟… وهكذا تدخل في تفاعلٍ مع النصّ المقدّس.
3- الصلاة (oratio): إنّ القيم النابعة من النصّ خلال التعمّق والتفكير والتأمّل مدعوّةٌ لتصبح دافعًا للتسبيح، للتوسّل، للشكر وطلب الغفران فتخرج صلاة.
4- التأمّل (contemplatio): هو تذوّق النصّ المقدّس. في هذه المرحلة لم يعد الفهم ذهنيًّا بل حياتيًّا. يصبح غذاءً للحياة. فالتأمّل هو الانتقال من صفحات الكتاب إلى حضور يسوع المسيح، هو اللقاء بالله الذي دخل تاريخ البشر وهو سجود، تسبيح وصمت أمام يسوع المسيح. في هذه المرحلة الرابعة نترك المجال للروح القدس كي يعمل فينا ويعطينا مواهبه ويشعل فينا المحبّة. التأمّل هو الخروج من الذات والدخول في سرّ الله الذي بيده حياتنا. هو اللقاء الشخصيّ العميق بإله خلاصنا.
مع نهاية المراحل الأربع التصاعديّة في القراءة الربّانيّة، يأتي دور التطبيق بواسطة مراحل أربع تنازليّة، وهي:
- التعزية (Consolatio(: وهي الفرح العميق النابع من الاتّحاد بالله وحضور الروح المعزّي. فتتمتّع النفس بالسلام والفرح والثقة حتّى في الأوقات الصعبة. وهنا تولد القرارات الكبيرة التي تتحدّى الحواجز.
- التمييز (Discretio): وهو القدرة على تمييز ما ينسجم في الحياة مع تعاليم الإنجيل حيث يعمل روح الله.
- القرار (Deliberatio): هو الاستعداد الداخليّ الذي يدفع إلى الاختيار حسب مشيئة الآب.
- العمل (Actio): هو العيش والتصرّف وفق روح المسيح وتحقيق ملكوت الله في العالم. فمن خلال العمل تظهر ثمرة كلّ المسيرة.
مزايا هذه التقنيّة:
في القراءة الربّانيّة تكمن جذور الروحانيّة المسيحيّة التي ترتكز على الكتاب المقدّس، في الشرق كما في الغرب، فهي تأمّلٌ وصلاةٌ موحاة من الكتاب المقدّس، وهي تمرينٌ منظَّم للإصغاء الشخصيّ لكلمة الله.
الإصغاء يحصل في الصمت الذي يفسح مجالاً كي تخترقنا الكلمة، تلك الكلمة التي لا ترجع قبل أن تحقّق المهمّة التي أُرسلت من أجلها ،"لأنّه كما ينزل المطر والثلج من السماء ولا يرجع إلى هناك دون أن يروي الأرض ويجعلها تنتج وتنبت لتؤتي الزارع زرعًا والآكل طعامًا، فكذلك تكون كلمتي التي تخرج من فمي: لا ترجع إليّ فارغةً بل تتمّ ما شئت وتنجح فيما أرسلتها له" (أشعيا 55: 10-11).
ملاحظة:
هذه التقنيّة لها الأثر الأكبر في حياتي إذ قد عاشها واختبرها الكثير والكثير من الآباء والقدّيسين الذي نهلوا من كلمة الله معتمدين هذه الدرب الملهَمة والملهِمة...

