وصف التقنيّة:
كُتب الكتاب المقدس بلغاتٍ ثلاث:
- كتاب العهد القديم باللغة العبريّة وبعض أجزائه باللغة الأراميّة واليونانيّة.
-
كتاب العهد الجديد باللغة اليونانيّة الدارجة والشائعة (koine).
إنّ مراجعة اللغات الأصليّة للكتاب ليست ترفًا عديم القيمة، إذ إنّ هناك كلمات في اللغة الأصليّة لا يوجد شبيهٌ تامٌّ لها في لغتنا العربيّة، وكلمات أخرى لها أكثر من معنى أو استخدام. لذلك لا يُستدلّ على معنى كثيرٍ من الآيات بدقّة إلاّ بالعودة إلى اللغات الأصليّة التي كُتِبت بها، وذلك لاختلاف أزمنة الأفعال بين اللغات وكذلك التعبيرات والمصطلحات اللغويّة.
أمثلة تطبيقيّ:
- إنّ كلمة "تاجر" في المثل السادس لملكوت السماوات (متّى 13: 45)؛ تعني حرفيًّا في الأصل اليونانيّ: "مسافر في مهمـّة عمل". ما أجمل أن يُطبّق هذا المعنى على المسيح الذي سافر من السماء إلى الأرض في مهمّةٍ ما أهمّها! ثمّ كلمة "باع" المذكورة في المثل ذاته تختلف في الأصل اليونانيّ عن الكلمة المترجمة أيضًا "باع" في المثل الخامس (آية 44)، التي تستخدم لمعاملات البيع والشراء العاديّة، أمّا الخاصّة بمثل اللؤلؤة فهي تستخدم للبيع كعبد. ما أكثر البركة التي نجنيها عندما نتأمّل في هذه الأفكار؛ فهذا المسافر في مهمّة عمل، ضحّى وأصبح عبدًا إلى الأبد لأنّه أحبّ الكنيسة (أفسس 5: 25).
- "أمّا أنتم فحتّى شعور رؤوسكم محصاة" (متّى 10: 30). عبارة محصاة في اليونانيّة لا تأتي بمعنى معدودة بل مرقّمة (وهنا تكمن قوّة معنى هذه العبارة).
- "وإذ لم يزل بعيدًا رآه أبوه، فتحنّن وركض ووقع على عنقه يقبّله" (لوقا 15: 20). فعل تحنّن في اليونانيّة يعني "تحرّكت أحشاؤه" (وهذه القراءة تعطي زخمًا أقوى لهذا الاستقبال).
- "والتفت يسوع وقال لبطرس: "ابتعد عنّي يا شيطان" (متى 16: 23). أمّا العبارة اليونانيّة فهي: "سرْ خلفي يا شيطان" (ألا تعطي بُعد الاتّباع بالعمق؟).
- كلمة "الحبّ":
في اللغة اليونانيّة توجد كلمة تعبّر عن الحبّ لكلّ معنًى وأشهر هذه المعاني هو ما يُنطَق باليونانيّة Eros (إيروس) وهي تعني حبّ الشهوة والامتلاك، والثانية Philo (فيلو) وتعني حبّ العاطفة والمشاعر البشريّة الطبيعيّة، والثالثةAgape (أغابي) وهي تعني أكمل وأسمى صور المحبّة التي تحوي التصميم الحازم والإرادة الصادقة والانتماء القويّ الواضح لدائرة الإعلان الإلهيّ كحبّ الله للعالم (يوحنّا 3: 16)... تفسّر لنا هذه المعاني المختلفة لكلمة المحبّة ما حدث في حوار يسوع مع بطرس كما ورد في يوحنّا 21: 15 عندما سأل يسوع بطرس سؤال المحبّة ثلاث مرّات. نلاحظ أنّ يسوع استخدم كلمةً معيّنةً ليعبّر فيها عن الحبّ، وكان ردّ بطرس بكلمةٍ أخرى فكان الحوار كالتالي: "فبعد ما تغدّوا قال يسوع لسمعان بطرس: "يا سمعان بن يونا (Agape) أكثر من هؤلاء؟". قال له: "نعم يا ربّ أنت تعلم أنّي (Philo(. قال له: "ارع خرافي". قال له أيضًا ثانية: "يا سمعان بن يونا (Agape)؟ قال له: "نعم يا ربّ أنت تعلم أنّي (Agape) ". فقال له: "ارع غنمي". قال له ثالثة: يا سمعان بن يونا (Philo)؟" فحزن بطرس لأنه قال له ثالثة (Philo) فقال له: "يا ربّ أنت تعلم كلّ شيء، أنت تعرف أنّي (Agape)". فعندما نعرف أصل الكلمات المستخدمة نستطيع أن نعرف لماذا كرّر المسيح السؤال ثلاث مرات.
مزايا هذه التقنيّة:
- من أبرز القراءات التي دفعتني شخصيًا إلى استذواق شهد كلمة الله هي الوقوف عند بعض معاني الكلمات بلغتها الأصليّة والتي فتحت امام ناظرَي قلبي آفاقًا أسأل الله أن يتذوّق كلّ قارئٍ عسلها...
ملاحظة:
- من الضروريّ الاستعانة بالمراجع التفسيريّة المتنوّعة للكتاب المقدّس، وبخاصّةٍ ترجمة ما بين السطور إن العبريّ وإن اليونانيّ. مع العلم بإمكانيّة تحميلها بكلّ بساطةٍ عن الإنترنت، بالإضافة إلى سهولة استخدامها من دون الحاجة إلى دراسة وتمحّص اللغات القديمة...